الجمعة، 28 يونيو 2013

موقعة طلال الثانيه

كانت معركة طلال الثانية من أكبر المعارك التي شهدتها الجزيرة العربية في العصور الأخيرة، لتفاوت الأعداد في القوى المتحاربة وطلال معركتان: الأولى كانت عام1247 هـ بين الإمام فيصل بن تركي وقبيلة عتيبة.-الروقة- وكان النصر حليف عتيبة، أما الثانية وهي الأشهر فكانت بين الإمام سعود بن فيصل بن تركي وعدة قبائل ضد الروقة بقيادة شيخ عتيبة في زمنه مسلط بن ربيعان وسميت المعركة بوقعة طلال الكبرى في عام1290 هـ وهي التي نحن بصددها وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى "طلال" وهي مورد ماء في عالية نجد كانت مسرحا لتلك الملحمة العظيمة.
مايروى قبل المعركة
• أن أمير عتيبة الشيخ مسلط بن ربيعان أمر النساء بأن يضعن أحواضا مملوءة بالماء لكي يشرب منها الرجال وأمرهن بأن يأخذن العصي ومن يشرب وتسول له نفسه الفرار فعليهن ضربه وتوبيخه كي يرجع لميدان المعركة.
كان الشيخ مسلط قد تقدم في العمر وضعف نظره إلا أنه كان لايزال يحتفظ بقوتة، ويروى أنه عندما أقبلت من بعيد جيوش الإمام سعود قال لهم مسلط:(وينهم عن هاك الضلع الكبير؟) فأجابه أحدهم:(يالأمير، هم هاك الضلع اللي تشوفه) ثم كبر وامتطى صهوة جواده وانطلق إلى ميدان المعركة.
أسباب المعركة
يعود سبب المعركة إلى أنه بعد وفاة الإمام فيصل بن تركي عام1282 هـ تولى الحكم من بعده ابنه الأكبر الإمام عبد الله إلا أنه لم يستطع أن يحظى بإجماع وتأييد الدولة ورجالها الفاعلين، وكان أخوه الإمام سعود أوفر منه حظا في الحكم مما جعل الناس تلتف حوله وأدى ذلك إلى نشوب فتنة بين الأخوين كما هو معروف، وقد انضم الإمام عبد الرحمن وهو الأصغر لأخيه عبد الله وتصاعدت الفتنة وبدت حروب بين الأخوين واستطاع سعود وأنصاره الانتصار في معظم المواجهات وضعف عبد الله وتفرق عنه أغلب مؤيديه وتشتت جيوشه,
وبعد علم سعود بتلك الأنباء أمر جيوشه بتعقب فلولا لأنصار عبد الله وهزيمتهم وأمرهم بعدم التعرض لإخوته بالأذى وإحضارهم له سالمين، عندها قال عبد الله لأخيه عبد الرحمن :(ماهوب مزبنا ألا ابن ربيعان). وبالفعل ذهبوا إلى ابن ربيعان واستقبلهم وحلوا في ضيافته وحمايته. بعدها قال الإمام عبد الله (ما قصرت يا ابن ربيعان وبيض الله وجهك انتم بدو تشدون وتنزلون وحنا ماهوب دايم تابعينكم وهالحين مانبا منك ألا توصلنا لابن رشيد في حايل) وكان ابن رشيد في ذلك الوقت تحت أمرت الدولة وآل السعود، فما كان من الشيخ مسلط ألا أن طلب منهم البقاء معهم وفي ضيافتهم كعادة الشيوخ وكرام العرب فذكر عبد الله إن إكرامهم هو تلبية طلبهم فلبى الشيخ مسلط طلبهم وأرسل معهم سرية من جماعته حتى وصلوا لابن رشيد في حائل.
غضب الإمام سعود من فعل ابن ربيعان معتقدا أنه يناصر عبد الله ويعاديه وأراد الانتقام منه ومن قبيلته وكان ابن ربيعان في تلك اللحظة مقيما في منطقة البرود في السر بوسط نجد فأرسل له الإمام سعود أمير البرود ابن ناهض كي يخفر عتيبة والخفر هو(ان يأتيهم ويأخذ أجود خيولهم أو أطيب إبلهم كنوع من الضريبة أو العقاب) وعندما جاء ابن ناهض إلى مسلط ومن معه في البرود قال:(يا مسلط أنا جايك من ابن سعود وهو وأمرني بكذا وكذا) فكان رد الأمير مسلط طبعا بالرفض لما رأى في الأمر من إهانه. فرجع ابن ناهض للإمام سعود وأخبره بالخبر فغضب سعود من مسلط فعزم على حربه وأعد العدة لقتاله وجمع القبائل لتصفيته ومن معه من الوجود وكان هذا هو السبب الرئيسي للمعركة، بعد هذه الأحداث توجه مسلط إلى طلال في عالية نجد في وقت الربيع, وفي تلك الأثناء ومن جانب آخر كان في قبيلة مطير امرأة تدعى وضحى الجدعية وكان عندها إبل لا يعرف لها نظير من حيث جمالها وطيبها فأراد الإمام سعود شراء الإبل فرفضت الجدعيه فأشار لها الدويش بطاعة الإمام وبيعها الإ[ل كان الدويش في حينها من أكبر حلفاء الإمام سعود، فكان ردها بالرفض وخافت المرأة على إبلها واحتارت في أمرها فأشار عليها أحد أفراد جماعتها بأن تزبن وتهرب بابلها وفعلن اتجهت لطلال بابلها حتى لقيت مسلط هناك وقال لها مسلط:(والله ما يجيك أحد انتي في حمى الله ثم في حماي) وعندما علم الإمام سعود بهذا الخبر اشتد غضبا واعتبر أن مسلطا يتحداه فسير جيوشه له للانتقام منه.
بداية المعركة
عند وصول قوافل وجيوش بن سعود الضخمة إلى أرض طلال كانوا يعتقدون أنهم في نزهه وأن الانتصار والغنيمة مجرد وقت ليس إلا ,وكان يصاحب جيوشهم عبيد للإمام سعود وخدم يقرعون طبول الحرب لترهيب الروقة، وكان الوقت قبل طلوع الشمس. فالتقى الجمعان وبدا الكر والفر فأبرز مسلط وصنيتان الضيط بسيفه عمهوج ومن معهم بسالتهم في الدفاع عن أرضهم وأنفسهم
يقول شليويح فيهم:-
نخيت مزحم سعد منهم ربعه .. يوم اللقا زادوا ورا الهقاوي
كما أن فرسان طلحة كانوا جميعهم في أوج تألقهم وقاتلوا بضراوة وشراسه حيث إنهم أبادوا العشرات
يقول فيهم شليويح:-
كن الجنايز في نحاوي طلحه.. نطل الخشب فالوادي السناوي
كانت عطفة الروقة تركبها فتاه تدعى مضاوي ومضاوي هذه هي بنت الدويش لكن خوالها هم الرباعين (أبناء ربيعان)وقذ ترعرعت مع أمها عند خوالها وكانت غالبا ماتركب العطفة،
وكانت عطفه طلحة في ذالك اليوم هي زوجه براز بن محيا (فطيمه المغيبي الروقي) وكان يقود الجمل الذي تركبه ذهين الحبردي
والمعروف أن العطفة عبارة عن هودج مغلق فوق الناقة وفي أثناء احتدام المعركة وعندما حمي الوطيس كانت مضاوي تسمع العزاوي والصيحات وهي محجوبة في الهودج عما حولها وقد توجست في نفسها خيفه متصورة بأن الغلبة للخصوم على الروقه عندها كشفت مضاوي غطاء الهودج لترى مايحدث وهي تستصرخ بأبناء روق وتنخاهم وتحثهم على الأقدام وقد كانوا عند حسن ظنها، يقول شليويح:-
لا رحم أبو من صد عن محرافها.. يوم انجلاع الستر عن مضاوي
نطعن لعين اللي تهل دموعها.. تبكي وفي تالي البكا نخاوي
نتيجة ذلك كله أصبحت الأمور كلها تسير في صالح الروقة وصار النصر حليفهم عندها بدا الإمام سعود وجيشه يذوقون مرارة الهزيمه ويتكبدون خسائر هائلة وتأكدوا بأنهم هزموا. وبدوا في الانسحاب من أرض المعركة.وبعد ذلك انهزمت جيوش سعود. حتى قيل أنهم أوصلوهم إلى قصور عنيزة والقصيم، يقول شليويح:
تزبنوا عنا قصور عنيزة .. لين احتماهم بيرق القصماوي
بينما اتجه الإمام سعود ومعاونيه وأتباعه الرئيسين إلى الرياض العاصمة بعد الهزيمة وكان الإمام سعود في حاله صعبة وجراحه خطيرة وعند اقترابهم من الرياض التهب جرح سعود وقيل انه اشتم رياحين وأثرت في جرحه فتدهورت حالته ومات قبل أن يصل للرياض. وهكذا انتصر الروقة انهزمت جيوش سعود والقبائل المتحالفة معه، وقد نتج عن هذه المعركة بالإضافة لمقتل الإمام سعود مقتل الكثير من شيوخ وكبار الجموع الحليفة له ومنهم: سعد آل سعود وسعود بن صنيتان آل سعود ومحمد بن أحمد السديري أمير الغاط في حينه وعدد من أبناء عمومته وقيل السدارى (اهل سدير والمجمعة) وغنيم بن شبلان من شيوخ الجبلان من مطير ومن أعيان شقراء: فهد بن سعد بن سدحان وسعد بن محمد البواردي وصالح بن أبراهيم بن عيسى وسليمان بن عبد الله بن عيسى وعبد العزيز بن منيع وغيرهم.
تفاصيل المعركة
في عام 1290 هـ تقريبا جمع الإمام سعود بن فيصل الجموع وجيش الجيوش الجرارة من مختلف القبائل والأحلاف لقتال الروقة فكان معه من القبائل(مطير بقيادة الدويش، والعجمان وسبيع والسهول وأهل العارض وأهل سدير وأهل القصيم والعديد من أهالي نجد وغيرهم من الابطال) وأعد الامام جيوشه للحرب وكان عدد جيوشه تقريبا 8آلاف فارس في تلك الأثناء
كان الروقة مربعين في طلال فجائهم النذير وهو(سرور الحمادي الروقي) وكان قد وصلته تلك الأخبار فأخبرهم بالامر شيوخ الروقة وأهل الرأي فيها للتخطيط لهذه المعركه وقال صنيتان الضيط مقولته الشهيره (عقال ومبرك وعمرن ياويله النهدان) وأشار عليه بخطة للدفاع وكان عدد الروقة ثمانمائة فارس وقيل أ قل ويتضح من المقارنة بين الطرفين عدم تكافئ موازين القوى فكان الموقف في داخل قبيلة الروقة وعند شيوخها حاسما والأمر لا يحتاج لتأجيل فأما ان يقاتلون الموت أو يستسلمون للموت فأختار الروقة كعادتهم الخيار الأصعب وفضلوا الموت بشرف ولسان حالهم يقول:(فأما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدا) ولأنهم معتدى عليهم بغير حق فكان قرار الشيخ مسلط هو الحرب فلبس الشيخ مسلط درعه وهو درع مهدى له من باشة الأتراك يمتاز بأنه واقي من طعنات الرماح وضربات السيوف وتقلد سيفه وأمر مسلط بتجهيز الرجال وحثهم على الاستعداد وتجهيز السلاح
عقال ومبرك وقلب ن ياويلهن هدان الهدان يعني جبان يعني نعقل الابل وندافع دونها
لقطات من ميدان المعركة
1- من الطرائف التي تروى في المعركة: أن هناك رجل يدعى (مهذب) وقد كان هذا الرجل بائع أو نحوه في ديار نجد وكان هناك سابق معرفة بينه وبين الأمير مسلط، وعندما أغار الإمام سعود ومعه جموع القبائل على الروقة ذهب هذا الرجل مع المرتزقة معتقدين بهزيمة الروقة وطامعين بالغنائم ولكن عندما دارت الدائرة عليهم وسحقهم أولاد روق، وبدأ الأمير مسلط يقطف رؤوس الرجال وبينما الأمير مسلط منهمك في القتال إذ به أمام مهذب وهو يرتجف خوفا من بطش مسلط فقال له:(انا مهذب يا الأمير) يريد ان يذكره بالمعرفة كي ينجو من الموت فقال مسلط قولته الشهيرة:(من طاح فيها يا مهذب راح) فصارت مثلا مشهورا، ثم ألحقه مسلط برفاقه وقتله.
2- والفارس الكبير الشيخ شليويح العطاوي كان له في المعركة موقف شهامة ورجوله ووفاء ليس مستغرب عليه وهو انه عندما قام أولاد روق بتقتيل الشيوخ والفرسان المعادين وشليويح معهم ينحر الرجال ويتقدم في الصفوف وبينما هو كذلك واجه فارس كبير هو سلطان البعير من شيوخ علوى من مطير عندها منعه شليويح من القتل وحماه وذلك ربما لصداقة بينهما أو انه طلب من شليويح المنعه أو امتن عليه شليويح بذلك، وهذا موقف يبين الشهامة والشجاعة التي تعتبر من أهم صفات الفارس العربي العظيم،
يقول شليويح:-
ومنعت سلطان البعير بينهم***يوم اذبحوا شرابة القهاوي
3- تعتبر هذه الملحمة مفخرة لقبيلة عتيبة عامة، لأنها استطاعت ان تهزم ابن سعود والقبائل المتحالفة بنصف قوتها فما بالك لو كانت عتيبة مكتملة بكل شيوخها وفرسانها؟ وماذا عسى إن يكون مصير أعدائها؟؟؟
علاقة المعركة بسقوط السعودية الثانية
كانت نتائج هذه المعركة من أهم أسباب سقوط الدولة السعودية الثانية لأنها تسببت في مقتل الحاكم الامام سعود المسيطر على الدولة مما أدى فراغ في السلطة وتمخض عن ذلك ضعف الدولة وسقوطها فيما بعد.